لقد مضى أقل من عامين منذ أن أصدر صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر قانون حماية اللغة العربية في قطر.
ولكن هذه المرة الأولى التي نتحدث فيها عن هذا القانون ضمن مدونتنا، لذا هنا ستجد تفصيلًا للقانون، ما الذي يعنيه، وعلى مَن يؤثر، ولماذا من المهم (ومألوف) لدى الدول حماية لغتها الأم بقوانين لغوية.
ما هو قانون حماية اللغة العربية، وعلى من يؤثر؟
يعني هذا القانون حسب ما أوضحت شركة دينتون للمحاماة والاستشارات القانونية: "أن على جميع الوزارات، والأجهزة الحكومية، الهيئات العامة والمؤسسات استخدام اللغة العربية أثناء مناقشة اجتماعاتها. بالتالي فهو يشمل القرارات الصادرة، الأنظمة، التعليمات، المستندات، العقود، المراسلات، التعيينات في المناصب، البرامج، الوسائل البصرية، الوسائل السمعية البصرية، والمطبوعات النصية، وجميع محاضر الاجتماعات الأخرى" يجب أن تكون جميعها صادرة باللغة العربية.
كما يعني القانون:
- يجب منح جميع الشركات تقريبًا أسماء عربية.
- إن كنت تملك شركة/مؤسسة عالمية أو محلية باسم أجنبي، يمكنك الاحتفاظ بالاسم الأصلي لكن عليك امتلاك صيغة مكتوبة باللغة العربية إلى جانب اسم شركتك باللغة الأم.
- يجب أن تُكتب العلامات التجارية والأسماء التجارية باللغة العربية.
كما يجدر هنا التنبيه إلى أنه دائمًا ما كان يتم إنجاز تسجيل الشركات في دولة قطر باللغة العربية. لكن الفرق الجوهري الآن هو إبراز أهمية اللغة العربية في معاملات وأنشطة الشركات العامة والخاصة. وهكذا تحدد قطر قوتها في المستقبل عبر فرض استخدام اللغة العربية، مع اتخاذ التدابير للحفاظ على ثقافة الدولة وحمايتها.
لماذا من المهم الحفاظ على اللغة العربية بالنسبة لقطر؟
من المعروف أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وكذلك لغة الإسلام.. لذا ترى قطر أن اللغة العربية هي طوق النجاة للدول الإسلامية، وما يوحد العرب. لكن إلى جانب جميع دول الخليج الغنية، تعتبر قطر المغناطيس الجاذب للاستثمارات الأجنبية ومجتمعات المغتربين.
تتخذ دولة قطر التدابير اللازمة لدعم وتعزيز اللغة العربية، وذلك لضمان عدم فقدان اللغة العربية في خضم العولمة الاقتصادية. فاللغة هي القناة القوية لإيجاد التوازن بين الواردات الأجنبية وضمان ألا يتأثر كل من الدين، الأسرة، الاتصالات، العادات، السلوكيات واللغة بحد ذاتها بطريقة سلبية بكل تلك الأشياء المتلألئة التي تدخل إلى الدولة، وبالتالي الإخلال بأسلوب الحياة القطرية التقليدي.
ومع العدد السكاني المثير للإعجاب بما يربو عن 2.5 مليون نسمة من السكّان (وهو آخذ بالازدياد)، تشعر قطر بأنها تحيا نوعًا من الشعبية العالمية. قد يكون كأس العالم فيفا قطر 2022 واحدٌ من أسباب الاهتمام المفاجئ بالبلاد الصحراوية الصغيرة، لكن ترى قطر في هذا الحدث فرصة لإثبات نفسها على المستوى العالمي، لذا فإنها تسير وفق نهج محسوب باتجاه المجد، من خلال تأكيد أن لغة المواطنين أي العربية منطوقة على كل شفاه.
قطر ليست الوحيدة التي تصدر قوانين لحماية اللغة
على الصعيد الإقليمي، تعتبر قطر واحدة من أوائل دول الشرق الأوسط التي اتخذت إجراءات قانونية لحماية والحفاظ على اللغة العربية، وليس من النادر أن تطبق الدول حول العالم قوانينها اللغوية للحفاظ على لغتها الأم. وهنا مجموعة من الأمثلة من أنحاء العالم:
ألمانيا
واحدة من بين المتطلبات الأساسية للالتحاق ببرامج الشهادات العليا في ألمانيا هو إثبات أنك تتحدث اللغة الألمانية بطلاقة. عادة ما يخضع الطلاب الدوليين لاختبار ويمكنهم الالتحاق بدروس خاصة لإثبات مهاراتهم في اللغة الألمانية.
المملكة المتحدة
كذلك الأمر في المملكة المتحدة، تعتبر واحدة من بين المتطلبات المتعددة للحصول على أغلب تأشيرات الفيزا للعمل أو الدراسة فيها هو إثبات أنه يمكنك التحدث بالمستوى المطلوب من اللغة الإنجليزية من خلال الخضوع لاختبار معتمد للغة الإنجليزية. يوجد قلة من الأشخاص المستثنين المحددين يمكنهم الاستغناء عن اختبار اللغة هذا.
النرويج
إن كنت تخطط للانتقال إلى النرويج، إذن أنت مضطر أن تلتحق بدروس اللغة النرويجية كي تنجز المتطلبات اللغوية المطلوبة للإقامة الدائمة. تنتظر أولئك الذين لديهم ما يكفي من الصبر لتعلم اللغة النرويجية المحاضرات المجانية، فالجامعات الرسمية في النرويج لا تفرض الرسوم الدراسية على الطلاب، بغض النظر عن الدولة التي يأتي منها الطالب.
كندا
تميل معظم ممارسات حماية اللغة وتعزيزها إلى دعم لغة وطنية واحدة، لكن الحال مع دولة كندا مختلف، إذ تمنحك الخيار بين إتقان اللغة الإنجليزية أو الفرنسية. وهي تشبه المملكة المتحدة والنرويج، إذ يتطلب الطريق إلى الحصول على المواطنة مستوى من الطلاقة اللغوية كي تصبح كندا موطنك.
الاختلاف الرئيسي بين هذه السياسات والممارسات اللغوية العالمية والقانون القطري، أنه ورغم الأعمال الورقية الإضافية، الترجمة والتوطين المطلوبة لممارسة العمل التجاري في قطر، يمكنك (حتى الآن) الانتقال إلى قطر بدون الحاجة للخضوع لاختبار إتقان اللغة العربية.
مستقبل حماية اللغة للدول الناطقة بالعربية
"لقد تضاعف عدد السكان في قطر خلال العقود الخمسة الماضية حوالي 25 مرة"، وإن كان الاتجاه السائد في النمو السكاني هو أي شيء يمكن الاعتماد عليه للمعلومات، هل من الممكن أن تقوم قطر في يوم من الأيام بالدفاع عن الحد الأدنى المطلوب في اللغة العربية من أجل العمل أو الدراسة؟ أو هل سيشجع قانون اللغة العربية في قطر الدول الأخرى الناطقة بالعربية على الاقتداء بها؟
تستمر قطر من الناحية التعليمية والثقافية في تطوير نهج اللغة العربية أولًا للمبادرات، المناسبات والأنشطة في أرجاء البلاد. ونحرص على رؤية كيف تسرع عملية رقمنة المصادر قدرتنا الجماعية على التعليم، العمل والتسلية باستخدام لغتنا المفضلة في العالم.